المخ البشري وحوارية الصورة والكلمة
يتكون المخ البشري - بشكل عام - من نصفين شبه كرويين: النصف الأيسر والنصف الأيمن. وتشير الشواهد المتزايدة - إذن - الى أن النصف الأيسر من المخ تحليلي، في حين أن النصف الأيمن تركيبي كلي، وأن النصف الأيسر يقوم بدور كبير في النشاطات الخاصة بالكلمات والأرقام، بينما يقوم النصف الأيمن بالعبء الأكبر في الأنشطة الخاصة بالصور، وتكون العمليات الخاصة بالنصف الأيسر متسلسلة متتابعة، في حين تكون عمليات النصف الأيمن متوازية متزامنة. ويبدو أنه من المقبول أحيانا أن نقول إن النصف الأيسر من المخ هو الخاص بالعمليات الواقعية، في حين أن النصف الأيمن خاص بالعمليات المجازية، وأن الأيسر هو المتحكم في التخاطب اللفظي اليومي مع الآخرين، في حين أن الأيمن هو مصدر التخيلات، والأحلام والتهويمات، والانفعالات، والصور البصرية.
وتزخر الكتب والمقالات الحديثة في علم النفس بالحديث عن الفروق بين الوظائف الخاصة بنصفي المخ البشري، ومن ذلك مثلا ما ذكره هوفمان وزملاؤه من أن النصف الأيسر متخصص في الوظائف اللغوية كالكلام والكتابة وفهم اللغة، وايضا الأنشطة التحليلية كالرياضيات مثلا، وأن النصف الأيمن متخصص في القدرات غير اللفظية كالقدرات الموسيقية (خلال الأداء أو العزف وليس خلال الإبداع) والإدراكية، والمهارات اليدوية المكانية، كما في حالة الرسم (خلال الأداء وليس الإبداع أيضاً، حيث يفترض ان الأيمن يقوم بالدور الأكبر)، وبناء المكعبات الهندسية والتعرف على الوجوه، والسير في المتاهات، وغير ذلك من الأنشطة الكلية.
كذلك أشار بعض العلماء الى أن المخ الأيسر عقلاني اتفاقي، استنباطي، تجريدي، واقعي، افتراضي، تحويلي، خطي، تاريخي، موضوعي، في حين ان النصف الأيمن حدسي، افتراضي، خيالي، مستقبلي، عياني، مستمر، ترابطي، غير خطي (ربما دائري أو بندولي النشاط)، وذاتي. وبناء على هذه الأفكار ميز بوجن بين ما أسماه العقل الخطابي، او الإنشائي، أو القائم على الافتراضات الجزئية الخاصة وما أسماه العقل التركيبي، أو البنائي، وكان يقصد بالعقل الخطابي العقل الخاص بالنصف الأيسر من المخ، ويقصد بالعقل التركيبي، العقل الخاص بالنصف الأيمن من المخ. وقال إن المجتمع (يقصد الغربي) يعطي تقديرا أكبر للعقل الخطابي على حساب العقل التركيبي.
وقد انتشرت هذه الأفكار، فأصبحت تستخدم للتمييز بين الأفراد وبعضهم بعضا، بل وبين الشعوب وبعضها بعضاً أيضاَ، ومن ذلك مثلا ما قاله أورنستين من أن الرجال والنساء في المجتمعات الغربية لا يستخدمون إلا نصفا واحدا من نصفي المخ، ولذلك فهم يستغلون فقط نصف امكاناتهم العقلية. وقد لاحظ أورنستين أيضاً ان التركيز في المجتمعات الغربية على الأمور اللغوية والتفكير المنطقي قد ضمن تدريبا جيدا للنصف الأيسر من المخ، في حين تم إهمال وظائف النصف الأيمن، والتي هي أكثر نموا - في رأيه - في حضارات الشرق، وإلى عكس هذه الوجهة من النظر يذهب باحثون آخرون حين يرون أن النصف الأيمن أكثر نشاطاً في المجتمعات الغربية، في حين أن النصف الأيسر أكثر نشاطا في المجتمعات الشرقية، خاصة العربية منها.
موضوع: العقل التركيبى 
السبت فبراير 07, 2009 5:24 am
